لا تتجاوز كلفة المنتج الوطني المعرفي سقف الـ10% من كلفة المنتجات المستوردة»، بهذه الجملة يحاج الدكتور المهندس محمود مصطفى حديد محاوريه مستندا في ذلك ليس إلى دراسات فحسب، بل إلى تجربته الشخصية التي تفتقت عن اختراع جهاز ميكانيكي يعنى بمعالجة المشاكل الناجمة عن التهرب الكلي الخطر في الآبار النفطية.
يسند الدكتور حديد جل الازدهار الذي حصدته بعض الاقتصادات الكبيرة، ومنها على وجه الخصوص اقتصادات شمال غرب أوروبا وأميركا، إلى القفزات المتتالية التي شكلت الاختراعات عصبها وسمتها الأساسية، مشيراً إلى أن الأهمية التي ينطوي عليها هذا الجانب لا تزال شغلاً شاغلاً للاقتصادات العملاقة مسترشدا بالتجربة الألمانية التي ما زالت تقدم الدعم الوافر إلى 1300 ناد خاص بالمخترعين تنشط في مختلف المراحل التعليمية وغيرها.
ويرى حديد أن سورية لديها من الطاقات الكامنة والقواعد المعرفية ما يعول عليه في كثير من الأحيان، وهي توازي ما تنتجه وتحتكره كبريات الشركات، إلا أن الفارق هو افتقار الابتكارات والمواهب المحلية إلى الاحتضان لتتحول مع الأيام إلى مجرد مبادرات فردية بما يخالف مجريات الأمور في الدول المتقدمة التي تتبنى المخترعين والمبتكرين في القطاعين العام والخاص وترعى أعمالهم وتدفعهم نحو استثمارها بطرق مختلفة.
ويعتقد الدكتور حديد- جازماً- أن التعويل على الاختراع في الاقتصادات الكبيرة لا يزال مستمرا، وسيبقى كذلك لأن معادلة الابتكار والصناعة تختزن أحد الأسرار العظيمة لتقدم البشر على جميع المستويات، منذ انطلاقتهم ومع استمرارهم، مشيراً إلى أن التعاطي الجدي مع هذا الأمر كأحد مفاتيح التطوير الاقتصادي لهو كفيل بالتقاط أحد أطراف خيط التطوير الاقتصادي في سورية كما في مختلف دول العالم الثالث.
ابتكارات وأبحاث تخصصية
الاختراع الذي توصل إليه الدكتور محمود حديد يدخل في صلب تخصصه الأكاديمي، فالشاب الذي أتم مراحل تعليمه الأولى في مدينته «معردس» في محافظة حماة، اختار لنفسه تخصص الهندسة الكيميائية والبترولية في جامعة البعث بحمص وتخرج فيها في العام 1986، قبل أن بوفد لمصلحة وزارة التعليم العالي لنيل شهادة الدكتوراه في إحدى الجامعات الروسية الحكومية باختصاص «ميكانيك آلات الحفر والإنتاج»، ليعود بعدها إلى جامعته مدرساً ثم نائباً لعميد القسم الذي تخرج فيه.
حافظ الدكتور حديد على علاقة وطيدة مع قطاع الاختراع والبحث العلمي، فبالإضافة إلى شغله حالياً لرئاسة فرع حمص في جمعية المخترعين السوريين، بقي مواظبا على تقديم الأبحاث التطبيقية والاستشارات لشركات النفط السورية منذ عودته إلى القطر في العام 1994.
وحاز الدكتور المخترع حديد عن الجهاز المبتكر الذي يعنى بمعالجة التهريب الكلي الخطر ذهبية الدورة الحادية عشرة لمعرض «الباسل للإبداع والاختراع»، وذلك بعد حصوله على براءة الاختراع «5202» في العام 2002.
ابتكار حديد هذا تم استثماره في ثلاث آبار نفطية محلية ما أفضى إلى نتائج إيجابية بل ممتازة وذلك من المرة الأولى للمعالجة، في الوقت الذي ثبت فيه الفشل المتكرر ولعدة مرات عند معالجة الآبار نفسها بالطرق العالمية المعروفة.
وهذا الجهاز الذي أثبت فاعليته في منع التسرب الكلي لسوائل الحفر أثناء فتح الآبار النفطية كما في عمليات إصلاح الآبار المفتوحة بهدف صب الجسور الإسمنتية، حظي بحقوق استثمار للشركة السورية للنفط.
لكن لحديد الكثير من الأبحاث التخصصية الأخرى ذات العلاقة المباشرة بقطاع النفط والصناعات الاستخراجية، ومنها بحث علمي يدرس تأثير كتلة الرافعة لوحدة الحفر على مؤشراتها التصميمية والتشغيلية «1998»، وأخرى تتناول طرق زيادة فعالية تقنيات الإنتاج الميكانيكي للآبار النفطية في مديرية حقول الحسكة «2001».
كما أنجز الدكتور حديد بحثاً علمياً حول ثوابت العلاقة الرياضية لمنحنيات تقدم «الدقاق» وفق ظروف الحقول السورية لترشيد عمليات الرفع، وآخر تناول فيه الطرق الحديثة في التعليم الهندسي في روسيا الاتحادية، وهذا الأخير نشر في المؤتمر العالمي للجامعات التقنية في العام 2006، أتبعه ببحث محلي مواز حول آفاق ومستقبل التعليم الهندسي في الجمهورية العربية السورية، نشر هو الآخر في المؤتمر العالمي للجامعات التقنية في العام 2008.
وإضافة إلى هذا وذاك، فقد أنجز الدكتور حديد الكثير من الأبحاث الأخرى منها ما تناول تحسين أداء إدارة الهواء المضغوط في وحدة الحفر في ظروف الشتاء الباردة، وآخر تناول تحسين ضمان الجودة والتخطيط المؤسساتي في الجامعات العربية وغيرها من الأبحاث.
و نتمنا له التوفيق بكل إغراع جديد